كابل- منذ الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، ساءت العلاقات مع أفغانستان لدرجة أن الحكومة المؤقتة برئاسة أنوار كاكر – وبتوصية من الجيش الباكستاني- طردت اللاجئين الأفغان وأغلقت المعابر الرئيسية مع كابل، مما أثر على الوضع المعيشي والاقتصادي في كلا البلدين، وخسرت إسلام آباد تجارتها مع آسيا الوسطى وأفغانستان والعالم.

لكن وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي يقول للجزيرة نت إن حكومته تتطلع لبناء علاقات قوية وحسنة مع الحكومة الباكستانية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء الجديد شهباز شريف.

ويرى محللون سياسيون أن الجيش الباكستاني هو المخول ببناء علاقات مع كابل، وأنه يدير الملف الأفغاني وليست الحكومة المدنية التي تنفذ ما يراه الجيش صحيحا بشأن أفغانستان، لذا لا يُتوقع أي تطور جذري في العلاقات بين البلدين.

وتتمحور العلاقات بين أفغانستان وباكستان حول موضوع السكان البشتون على طرفي خط دورند، وتحظى حركة طالبان بأهمية كبيرة في الملف الأفغاني بالنسبة لصناع القرار الباكستاني، حيث ورثت الحكومة الأفغانية الحالية -مثل غيرها من الحكومات السابقة- مشكلة هذا الخط الفاصل في المنطقة المتنازع عليها بين البلدين، مما أثّر على سياسة كابل وإسلام آباد.

سلطة الجيش

ويرجع المحللون ذلك إلى أن سياسة باكستان الأمنية والخارجية تُحدَد من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية، فمنذ الاجتياح السوفياتي لأفغانستان عام 1979 ووصول الجنرال ضياء الحق إلى سدة الحكم في باكستان، سُلم الملف الأفغاني إلى الجيش الباكستاني ومخابراته.

يقول عضو مجلس الشيوخ الباكستاني السابق أفراسياب ختك للجزيرة نت، إن الجيش الباكستاني هو من يدير الملف الأفغاني ولا يمكن للحكومة المدنية أن تلعب دورا في بناء العلاقات مع أفغانستان.

ويضيف أنه منذ 4 عقود، يحدد الجنرالات الباكستانيون إستراتيجية بلادهم تجاه أفغانستان “ولا أعتقد أنه سيكون هناك أي تغيير في السياسية الباكستانية، وإذ حدث تغيير، فسيكون عاديا جدا وعلى مستوى البروتوكول فقط، ولن تشهد هذه العلاقات تغييرا في الخطاب الأساسي وستستمر السياسة القديمة نفسها”.

من جهته، يقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت إنه على الحكومة الباكستانية الجديدة أن تعيد النظر في مواقفها تجاه أفغانستان، وأن تهتم بالتجارة وتسهيل الحركة بين البلدين، ويؤكد “نريد إقامة علاقات جيدة مع إسلام آباد في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي”.

وكانت باكستان إحدى الدول الثلاث التي اعترفت بالحكومة الأولى التي شكلتها حركة طالبان نهاية التسعينيات، ولكن حدث تحول كبير في الموقف الباكستاني من الحركة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، ووقف الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال برويز مشرف مع الولايات المتحدة في حربها ضد طالبان في أفغانستان.

ذبيح الله مجاهد يطالب الحكومة الباكستانية الجديدة بإعادة النظر في مواقفها تجاه أفغانستان (الجزيرة)

تعامل حذر

بدوره، يوضح الكاتب والباحث السياسي كريم نظري للجزيرة نت أنه “بعد اعتقال عدد كبير من قادة طالبان في باكستان وتسليمهم إلى الولايات المتحدة، أثّر ذلك على العلاقة بين الحركة وإسلام آباد، وتنظر الحكومة الحالية إلى باكستان بأنها حليف غير جدير بالثقة، لذا تتعامل معه بحذر، وأنه بإمكانها إثارة المشاكل والفوضى في أفغانستان”.

ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن الحكومة الحالية في باكستان ائتلافية شُكلت من حزبين يتمتعان بعلاقة جيدة مع المؤسسة العسكرية الباكستانية، وأنها لا تستطيع تجاهل موقف الجيش من أفغانستان، وكل ما بوسعها هو أن تغير شكل التعامل مع كابل.

في السياق، يقول نائب السفير الأفغاني السابق لدى باكستان زردشت شمس للجزيرة نت إن الحكومة الباكستانية الجديدة خرجت من رحم التحالف بين حزبين، وإنها ستكون مشغولة في القضايا الداخلية وستفكر في الحفاظ على تحالفهما ولن تختار المواقف التي ستزعج الجيش.

ويرى محللون سياسيون أن موقف حزب الرابطة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق نواز شريف هو موقف المؤسسة العسكرية بشأن القضية الأفغانية وأنه لن يخرج من المربع الذي رسمه الجيش حول القضايا الإستراتيجية مثل ملف أفغانستان وكشمير والسلاح النووي، وأنه ينتمي إلى عائلة تمتهن التجارة، ولعله يفكر في تحسين العلاقات التجارية والاقتصادية فقط.

من جانبه، يوضح الباحث والكاتب السياسي عبد الكريم الكوزي للجزيرة نت أنه بالنظر للوعود التي قطعها حزب الرابطة الإسلامية بشأن تعزيز الوضع التجاري والاقتصادي لباكستان في سياساته، فإنه سيحاول فتح الحدود مع أفغانستان وتحسين الاقتصاد الذي هو حاجة إسلام آباد قبل غيره.

توتر متزايد في علاقات أفغانستان وباكستان

تحسين العلاقات

ولكن على الجانب الأفغاني، ما نوع العلاقات التي ستقيمها حركة طالبان مع الحكومة الباكستانية الجديدة؟

يرى الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل أن طالبان تنتظر منذ وصولها إلى السلطة الاعتراف الدولي بحكومتها، لذلك ستحاول تحسين علاقاتها مع الحكومة الباكستانية الجديدة، رغم بعض التنازلات التي قدمتها كابل لإرضاء الجانب الباكستاني وأنها لا تريد تصعيد الموقف أكثر”.

ويعتقد خبراء الشأن الأفغاني أن الاشتباكات الأخيرة على الخط الفاصل بين البلدين وملف طالبان باكستان محطتان بارزتان في العلاقات الأفغانية الباكستانية، وحتى مع وجود نظام موال لإسلام آباد في كابل، فإن القضايا الأساسية بين البلدين ستظل صعبة الحل.

ويعتبرون أن رفض كابل المستمر قبول خط ديوراند باعتباره الحدود الدولية بين باكستان وأفغانستان، يظل محركا رئيسيا للتوترات، ويقوض الثقة بين الطرفين.

ويقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية حسيب الله دوراني للجزيرة نت “إن كانت القيادة الباكستانية واثقة من أن حركة طالبان الأفغانية ستساعدها في السيطرة على طالبان الباكستانية، فإن هذه الأخيرة لم تتحرك ضد نظرائها الأيديولوجيين في إسلام آباد، وسيلقي خط ديوراند وطالبان باكستان بظلالهما على العلاقات بين الجانبين، ولا توجد مؤشرات لاتخاذ خطوات جادة من قبل الأفغان ضد طالبان باكستان”.

شاركها.
Exit mobile version