قال موقع ميديا بارت، إن المزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية يعانون، منذ عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من عنف متزايد من المستوطنين والجيش الإسرائيلي، ويعيشون مضايقات لا تنتهي، تبدأ بمصادرة أراضيهم، ولا تنتهي باقتلاع أشجار الزيتون خاصتهم.

وانطلق الموقع –في تقرير مطول بقلم رشيدة العزوزي- من قصة رائد أبو يوسف (55 عاما) الذي ضايقه 10 مستوطنين في عمر أبنائه، وأهانوه عبر مكبر الصوت وهو يقطف العنب من أرضه القريبة من مستوطنتهم، وحاول ان يتغافل عنهم لكنهم واصلوا حتى اضطروه إلى “الرد عليهم بمنطقهم”، فنال لكمة على الفك، قبل أن يصل الجيش الذي هدأ المستوطنين، ووعد الفلاح الفلسطيني بتسهيل تقديم شكوى.

ولكن الجيش لم يفعل شيئا، كما يقول رائد أبو يوسف؛ لأن “لديه مهمة المستوطنين نفسها. منعنا من العيش. إنهم يريدون أن يدفعوني إلى أقصى الحدود، حتى أتخلى عن قطعة أرضي القريبة من المستعمرة وأطرد نفسي. لأن من لا يزرع أرضه 3 سنوات، يمكن الاستيلاء عليها وإعلانها ملكية دولة من الإدارة الإسرائيلية، التي تستند إلى قانون عثماني يعود تاريخه إلى 1858”.

تقاسم غير عادل للموارد

ومثل رائد أبو يوسف، هذا مصطفى حماد (30 عاما) رئيس بلدية فرخة، الذي أطلق على تعاونيته الزراعية اسم “الأرض لنا”، يصف آليات المصادرة الهائلة الأخرى قائلا “يغلقون أرضك لسبب أمني، خاصة في المنطقة “ج” الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، أو يقولون لك: إنها محمية طبيعية على سبيل المثال”.

ولذلك فإنه يجعل أولويته “إعادة المياه والكهرباء إلى الأراضي النائية حتى يمكن زراعتها، وعدم التخلي عنها أبدا، وإلا فسيسرقها المستوطنون”.

ويتحدث مصطفى حماد عن “احتيال” اتفاقيات السلام في 1995، حيث يكون التقاسم غير العادل لموارد المياه الجوفية في الضفة الغربية، بنسبة “20% للفلسطينيين و80% للإسرائيليين” حيث يستهلك الفلسطيني في المتوسط 60 لترا يوميا والإسرائيلي 300، ويضيف مستنكرا “لا يمكننا حفر آبار دون ترخيص ولا بعمق يزيد عن 140 مترا، في حين يستطيع المستوطنون حفرها كما يحلو لهم حتى عمق 800 متر”.

وبين شرفات قريته التي يبلغ عدد سكانها 1800 نسمة ويديرها منذ عامين، يقول مصطفى حماد “معاناتنا وصلت إلى مرحلة جديدة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ففي الوقت الذي تقضي فيه إسرائيل على شعبنا في غزة، يعيث المستوطنون دون عقاب في الضفة الغربية”.

ويشير مصطفى حماد من بعيد إلى بؤرة استيطانية غير قانونية، أصبحت ثكنة تحت حماية عالية، بها مدنيون أو جنود مدججون بالسلاح وكاميرات وكلاب، قائلا “يبدأ الأمر ببيت متنقل، وسقيفة من الصفيح، وينتهي به الأمر مدينة ذات أسطح حمراء تضم آلاف السكان والمدارس والمعابد اليهودية،” مضيفا “سوف يحرموننا من الماء، ويمنعوننا من الوصول إلى مراعينا وأشجار الزيتون”.

رعب ومجاعة وأمراض

وحسب بكر مصطفى حماد، فإن آلاف الهكتارات مستهدفة حاليا من المستوطنين في المنطقة، يستقبلنا هذا الرجل في أرضه حيث يجلس حوالي 10 أشخاص مع محمد وعبلة، وهما زوجان يرتديان ملابس سوداء بالكامل، إنهما قادمان من غزة، وعالقان في الضفة الغربية، حيث سُمح للزوج بمغادرة القطاع لإجراء عملية جراحية في رام الله بعد أشهر من الإجراءات الجهنمية، ورافقته زوجته، وبقي أبناؤهما الخمسة، (أعمارهم بين 15 و26 عاما) تحت القصف الإسرائيلي، وتُركوا للرعب والمجاعة والمرض والموت.

محمد لا يملك القوة لوصف الألم الذي بداخله، وعبلة تتحدث عن “التعذيب” وقد عرفت أن أبناءها لجؤوا إلى مدرسة، يقول رائد أبو يوسف “كيف يمكن للعالم كله أن يشاهد الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ويتركها تحدث، وكأن حياتنا لا قيمة لها، وكأننا لسنا بشرا”.

حواجز غير معلنة

ومن أسس التمييز إعاقة حرية تنقل الفلسطينيين وإحاطتهم بالمستوطنات وأبراج المراقبة والجدران والأسلاك الشائكة ونقاط التفتيش والكتل الخرسانية، وإجبارهم على النزول من سيارتهم للتفتيش الجسدي حيث يُطلب منهم خلع ملابسهم.

يقول رائد أبو يوسف “اعتمادا على ما إذا كنت إسرائيليا أو فلسطينيا، ليس لديك الحقوق نفسها. نحن دون البشر إن لم ينكروا وجودنا أصلا”.

ومع أن العديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان تشجب “نظام الفصل العنصري” هذا الذي يهدف إلى “الحفاظ على سيطرة مجموعة عرقية قومية عنصرية على أخرى”، فإن “الأمر أصبح أسوأ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الفائت –كما يقول بكر- لقد سدوا الممرات الصغيرة التي أستخدمها بأكوام من التراب. بالإضافة إلى الذل، يكلفنا الأمر الوقت وكثيرا من المازوت”.

ويضاف إلى سلاح المشروع الاستعماري هذا العديد من القيود والعنف الإداري والعسكري والقانوني والاجتماعي حتى في الخصوصية، إذ لم يعش رائد أبو يوسف قط مع زوجته وأطفالهما الثلاثة، فهي فلسطينية من القدس.

يقول رائد “إسرائيل حرمتني من عائلتي. إذا ذهبت للعيش معهم، سأخسر أراضي أجدادي؛ لأنني لا أستطيع زراعتها أبدا”، أما إذا جاؤوا للعيش معه في حلحول بالضفة الغربية، فإنهم سيفقدون وضع “المقيم الدائم” في القدس الشرقية.

ومنذ أكثر من 20 عاما، لم يكن رائد أبو يوسف يرى عائلته إلا في عطلات نهاية الأسبوع والأعياد، عندما يتمكن من الوصول إلى القدس، ولكنه حصل أخيرا على بطاقة هُوية مؤقتة من القدس الشرقية، صالحة لمدة عامين، وهي دفعة حديثة وغير مستقرة مخصصة للمتزوجين الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما، وهو الآن يتنقل بالسيارة، تساعده لوحة سيارته الإسرائيلية وعيناه الزرقاوان.

انكسرت حلقة

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، تتضاعف الشهادات المتعلقة بعالم فلاحي في حالة تأهب قصوى من الشمال إلى الجنوب في هذه الأرض التي تحتلها إسرائيل منذ 1967، حيث يعيش ما يقرب من 3 ملايين فلسطيني، وحيث استشهد أكثر من 300 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الفائت على يد المستوطنين، أو جنود الجيش الإسرائيلي.

وقد أُبلغ، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، عن ضعف عدد “الحوادث” بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويعتقد رائد أبو يوسف أن الأمر أكثر من ذلك بكثير، ويقول باسم أبو يوسف، إنه يعيش “أسوأ الأسوأ”، وأن “حلقة انكسرت” مع وصول اليمين القومي والمتطرف إلى السلطة في إسرائيل، وتعيين المتعصبين حلفاء المستوطنين الأكثر عنفا في مناصب رئيسة، إيتامار بن غفير وزيرا للأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريش، وزيرا للمالية على رأس هيئة تخطيط المستعمرة.

 

جدار الفصل العنصري

خسر العديد من الفلسطينيين محصول الزيتون الذي يشكل عماد اقتصادهم؛ بسبب رفض الجنود السماح لهم بالوصول إلى أرضيهم، ومن بينهم زياد صلاح، الذي يقول “هددوني ووالداي باقتلاع أشجار الزيتون والكروم إذا عدنا ..اضطررنا هذا العام لشراء زيت الزيتون، وخسرنا نصف إنتاجنا من العنب”، ومنهم صبيرة، الذي تعرض لمضايقات من الجيش وقد تعفن عنبه في قطعة أرض متاخمة للجدار العازل، الذي يسميه “جدار الفصل العنصري”.

وفي مواجهة هذه القبضة الاستعمارية، كان يجب اختراع نوع من المقاومة، لذلك اختار رائد أبو يوسف منذ 20 عاما تأسيس جمعية تعاونية “السنابل” حتى لا يبقى منعزلا، و”لإعطاء معنى ومستقبل لحماية أرض شعبنا ووجوده”، وشعاره “الزراعة هي المقاومة”.

وتحول السنابل جزءا من العنب إلى عصير مبستر، وتجمع اليوم 360 مزارعا وتستثمر الأرباح بالتضامن، بحيث تساعد السكان وتمول مدرسة وتشتري الحقائب المدرسية والدفاتر، وقد ذهب رائد أبو يوسف إلى فرنسا للحصول على التمويل والتدريب مع مهندس أغذية زراعية في نانت، ودرس -أيضا- هندسة الآلات الزراعية في فيشي ومونبلييه.

كان بإمكان رائد أن يستقر في فرنسا ويهرب من الاحتلال، ولكنه فضّل العودة ليخلف والديه اللذين يفضلانه، كونه الذكر الوحيد بين ذريتهما، ولأنه سجن 16 عاما في صحراء النقب في الانتفاضة الأولى، ويختم قائلا “لقد أصبحت بطلا.. بين سن 16 و19 عاما، اعتُقلت 12 مرة”، ولكنه يعتب على الفرنسيين “شعبي يتعرض للإبادة الجماعية.. لماذا تجدون هذا الوصف مبالغا فيه؟”

شاركها.
Exit mobile version