نيويورك- لم تكد تمر ساعات قليلة على سيطرة مجموعة من الطلبة والأساتذة على مبنى هاميلتون في جامعة كولومبيا منتصف ليلة الاثنين 29 أبريل/نيسان الماضي، حتى خرجت جموع غفيرة من شرطة نيويورك صباح الثلاثاء الماضي لتطويق مبنى الجامعة وكلية نيويورك.

ولم يكن (ي.س)، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، يتصور أن خروجه من مبنى الجامعة سيعني أنه لن يستطيع العودة لحرمها حيث قيدت الشرطة والكلية دخول الطلبة والأساتذة، “ما لم يكن ثمة داعٍ ضروري لحضورهم”.

كما لم تسمح سوى لعدد محدود من وسائل الإعلام الأميركية المعروفة بالدخول، بينما منعت صحفيي الجزيرة من الوجود داخل مبنى الجامعة، وسُمح بدخول صحفييها يوم الاثنين الماضي في الأوقات المحددة.

ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل جامعة كولومبيا؟

بداية المناوشات

بدأ الطلبة والأساتذة ومؤيدو التظاهر المطالِب بوقف حرب الإبادة على غزة تدريجيا بالتوافد، ومع تزايد الحاضرين أمام بوابة جامعة كولومبيا الخارجية، أحضرت شاحنات الشرطة المزيد من الحواجز الحديدية.

ثم اتجهت المظاهرة إلى كلية نيويورك مع توارد الأنباء عن سيطرة مجموعة من الطلبة على مبنى داخلها، بعد صدور قرار من إدارتها بالسماح للشرطة بالدخول وفض الاعتصام. ومع بدء خروج المتظاهرين من الساحة المحيطة بجامعة كولومبيا، أتمت الشرطة إغلاق المنافذ الواصلة، سامحة بالخروج، مع منعها لأي شخص بالدخول.

في محيط كلية نيويورك، وقبيل المغرب، كانت الحالة مشابهة لجامعة كولومبيا مع وجود حافلات فارغة تمتد على طول الطريق، والتي تبين لاحقا أن عددا منها كان مخصصا لاحتجاز المتظاهرين وإرسالهم لمقار الشرطة.

وصلت معلومات عن قرب اقتحام شرطة نيويورك لمباني الجامعات وفض الاعتصامات فيها. وبدأت الشرطة بدفع المتظاهرين بعيدا عن أبواب الجامعة، حيث بدأت فرقة الاستجابة الإستراتيجية بالحضور بأعداد غفيرة في كلا المقرّين، وهي الوحدة المعنية بفض المظاهرات والتجمعات.

يقول محمد الفاتح، وهو أحد المتظاهرين في المنطقة، للجزيرة نت إن مجرد حضور هذه الوحدة يعني أن الوضع سيكون عنيفا، وأن الاعتقالات ستجري على نطاقات واسعة.

استعداد الشرطة لبدء الاعتقالات أمام كلية نيويورك (الجزيرة)

في الساعة الثامنة مساء، وعبر مكبر الصوت، حذرت شرطة نيويورك الموجودين داخل مبنى كلية نيويورك “إذا خرجتم فلن يتم اتهامكم بأي شيء، أما إذا بقيتكم، فسيتم اعتقالكم”. في حين احتشد المتظاهرون خارج الجامعة في محاولة لمنع الشرطة من الدخول.

ثم بدأت وحدة الاستجابة الإستراتيجية في عملية ملاحقة المتظاهرين ودفعهم بعيدا. وتطلبت العملية قرابة 3 ساعات، وطالت الاعتقالات مَن هم خارج الجامعة في محاولة لتطويق المنطقة بالكامل قبل البدء بفض الاعتصام داخلها.

توضح راما باسم، وهي طالبة تمريض في نيويورك، أن الشرطة مع هذه الوحدة بدؤوا بالدخول في الساعة الحادية عشرة ليلا و40 دقيقة إلى البوابة الرئيسية واعتقلوا الجميع رغم أن الطلبة وضعوا حواجز تطوق المخيم من كل اتجاه لإعاقة الاقتحام.

وتضيف للجزيرة نت أن المجموعة التي كانت داخل المخيم كانت تقول بوضوح إنها لن تقاوم، لكنها تريد أن توصل رسالة أنهم لا يخشون الاعتقال.

معاملة وحشية

من جهته، يفيد أحد أساتذة كلية نيويورك (فضل عدم الكشف عن اسمه)، وهو أميركي الأصل، بأن مجموعة من الأساتذة وبعض المتطوعين وقفوا في الصفوف الأولى للدفاع عن المخيم قبل اقتحامه، لتقليل الأضرار التي يمكن أن تطال الطلبة.

وأضاف أن الأساتذة طلبوا من الطلاب الذين يحملون تأشيرة خارجية الاتجاه إلى خارج المخيم، حتى لا تُتخذ بحقهم إجراءات قد تؤدي لترحيلهم.

ويروي للجزيرة نت “اعتقلوني بوحشية وصرخوا بوجهي أنني أقاوم الاعتقال بينما لم أفعل ذلك، وإنما كان ثمة شرطي وضع ركبته بقوة على ظهري، فشعرت بالاختناق. وكنت أحاول وضع نفسي في موضع يجعلني قادرا على التنفس. ثم صرخت: لا أستطيع التنفس”.

ويكمل أنهم قيدوه بشدة من معصمه وأنهم لم يستجيبوا لصراخه. وتحدث عن بطء شديد في كافة الإجراءات، منها وصولهم إلى مقر الشرطة بعد 3 ساعات.

وأشار الأستاذ إلى اعتقال نحو 300 شخص وصلوا لمقر الشرطة. ويؤكد أنه فخور لأنه اعتُقل لهذا السبب رغم أنه لديه محاكمة قريبة.

ويضيف “لقد بقينا نهتف في السجن لغزة وفلسطين حتى تم الإفراج عنا، وذلك هو السبب الرئيسي الذي نناضل لأجله، ولن نجعل الاعتقالات تنسينا ما خرجنا من أجله”.

الشرطة تغلق الطرق المؤدية لجامعة كولومبيا بنيويورك (الجزيرة)

واعتُقلت الطالبة في علم النفس آلاء من جامعة كولومبيا، والتي تضررت جراء رذاذ الفلفل الذي رشته شرطة نيويورك على بعض المتظاهرين، فتلقت العلاج بالخيمة الطبية في المخيم.

وتقول للجزيرة نت إنه وفي منتصف الليل، دخل المئات من شرطة نيويورك ثم اعتقلوا الطلبة ووضعوا على يديها قيدا شديد الإحكام.

وفي مقر الشرطة بكت آلاء بشكل هستيري بسبب ألم القيد فبدأ الأساتذة والطلبة الذين اعتُقلوا معها بالهتاف لفكه عنها، وهو ما تم في وقت لاحق. وتؤكد “كانت تجربة مؤلمة، وأعتقد أنني بحاجة للعلاج النفسي كي أتجاوز ما حصل لي”.

يُذكر أن الكلية قد أوقفت الدراسة وأغلقت الجامعة لأجل غير مسمى، وما زالت شرطة نيويورك تحيط بالمبنى. وتزامن اقتحام شرطة نيويورك لمقر جامعة كولومبيا، ومبنى هاميلتون، مع الذكرى الـ56 لاقتحام الجامعة عام 1968 واعتقال نحو 700 طالب على إثر الاحتجاجات حينها على حرب فيتنام.

كما تأتي بعد أكثر من 200 يوم على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة والتي تمولها المؤسسات والجامعات الأميركية، ومنها جامعة كولومبيا، وفق تأكيد الطلبة.

نقطة تحول

وعقب إغلاق كافة الطرق المؤدية للجامعة عند الساعة الثامنة والنصف مساء، بدأت شرطة نيويورك، مصحوبة بوحدة الاستجابة الإستراتيجية بالدخول لقلب الجامعة وبإفراغ مبانيها ودفع الموجودين في الخارج إلى قاعة “جون جي”.

تقول أسيل، وهي طالبة في جامعة كولومبيا للجزيرة نت “أغلقوا علينا الباب، كنا أكثر من 100 شخص، وبقينا أكثر من ساعتين داخل القاعة، وعند الساعة 11:30 ليلا، بدأ الأمن العام بفض الطلبة الموجودين داخل الجامعة على شكل مجموعات، ولم نستطع بعدها الدخول”.

ويوضح دانييل (شاهد عيان) أن الشرطة اعتقلت الموجودين في مبنى هاميلتون “بوحشية”، وأفرغته واعتقلت جميع من فيه واقتادتهم إلى حافلات الشرطة.

وأضاف للجزيرة نت أن المعتصمين في المخيم أفرغوه قبل دخول الشرطة، وأنهم كسروا وأزالوا جميع الممتلكات التي كانت موجودة في المكان.

أما مريم علوان، الطالبة في جامعة كولومبيا، فتضيف أنها كانت تقوم بتصوير عملية الفض، قبل أن تأخذها الشرطة بعنف إلى قاعة “جون جي”.

وتقول مريم إن ما دمرته الوحدات التي دخلت لقلب الجامعة يتجاوز بكثير ما تزعم الشرطة أن الطلاب قد دمروه.

يقول شاهد عيان آخر اسمه شريف للجزيرة نت إن “هذه الوحشية التي تم فض الاعتصام بها ستكون نقطة انعطاف في هذا الحراك، الذي سيزداد في مختلف الأقطار الأميركية”.

وبرأيه، فإنه يحق للطلاب “مقاومة وحشية الشرطة كما أن لسكان غزة الحق في مواجهة الاحتلال”. وأكد أن ما قامت به الشرطة سيزيد من إصرارهم على تحقيق أهدافهم.

وألقى طلاب كُثر في هتافاتهم باللوم على رئيسة جامعة كولومبيا “التي سمحت بهذا المستوى من العنف داخل أروقتها، والتي يفترض أن تكون منارة للحرية، عوض أن تكون مكانا للقمع والاستبداد والعنف”.

شرطة نيويورك اعتقلت عشرات الطلاب بعد اقتحامها قاعة هاميلتون بجامعة كولومبيا (الأوروبية)

وقبل عملية الفض بأسابيع، كانت موجة اتهامات المتظاهرين “بمعاداة السامية” تزداد، ويرتفع معها عدد المسؤولين الرسميين الذين ينددون بازدياد موجات التظاهر التي انتشرت في جامعات الولايات المتحدة وشوارعها.

وتفاخر عمدة نيويورك، إيريك آدامز، بإزالة الشرطة عَلم دولة خارجية، في إشارة إلى عَلم فلسطين، وإعادة رفع العلم الأميركي، في حين اتهمه مغردون بأنه هو ذاته من رفع علم إسرائيل في أكثر من محفل، إضافة لانحيازه المعلن لها.

لذا، جاءت عملية الفض، مع ما وصفته الطالبة مريم بالحملة الممنهجة التي استهدفت تشويه التظاهرات السلمية، وفتحت باب المقارنة بين استجابة شرطة نيويورك لطلب الجامعة بهذا المستوى من العنف، في حين أن شرطة واشنطن لم تستجب حتى الآن إلى طلب إدارة جامعة جورج واشنطن بفض الاعتصام.

يُشار إلى أنه ومنذ عام 2002، ترسل شرطة نيويورك مجموعة من ضباطها إلى إسرائيل للتدريب ومشاركة أساليب المراقبة. كما أنها من أقدم وأكبر المؤسسات الشرطية على مستوى الولاية، ولها تسليح وموازنة كبيرة يمكنانها من امتلاك أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية.

شاركها.
Exit mobile version